الأخبارتقاريرالصحةحقوق الإنسان

بين رحى التهميش ومطرقة التعطيش .. الملاشية بلا ماء ولا كهرباء

للأسبوع الرابع على التوالي

للأسبوع الرابع على التوالي، يعاني أهالي مدينة الملاشية من الانقطاع التام لمياه الشرب والصالحة للاستخدام المنزلي، في الوقت الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى 45 خلال فصل الصيف ما يزيد من المعاناة أضعافًا مضاعفة.
وفي المعتاد لا تصل المياه إلى الصنابير المنزلية إلا بضعة ساعات ضمن سياسة ممنهجة يتبعها النظام الإيراني ومؤسساته التنفيذية لتعطيش الشعب لا في الملاشية وحدها وإنما في أرجاء الأحواز.
ويلجأ الأهالي إلى طرق بدائية وغير آدمية لتوفير المياه وذلك باستخدام صهاريج محمولة تتم تعبئتها عبر أنابيب نقل المياه، ما يجعلهم عرضة للأمراض والأوبئة، لتصبح الأوضاع أكثر خطورة، وخاصة في ظل زيادة درجات الحرارة والتي جعلت الأمور أكثر سوءًا.
وتعود جذور مشاكل الملاشية المتفاقمة إلى سياسات النظام الإيراني العنصرية حينما لجأ إلى تدمير المجتمعات الريفية الأحوازية وأجبر أهلها على الهجرة إلى المدن؛ لكن هؤلاء البسطاء لم يستطيعوا التأقلم بسبب غلاء المعيشة والتمييز العنصري في الوظائف والرواتب؛ فاضطروا إلى الاستقرار على أطرافها في رحلة محفوفة بالمخاطر ومستقبل غامض تحت حكم نظام عشوائي.
ومع انتهاج النظام الإيراني لسياسة التضييق المستمر على كل ما هو أحوازي، أهمل تلك المناطق وأجبر أصحاب الأرض على دفع مبالغ طائلة من أجل الحصول على وثائق تملك لا يعترف بها من الأساس، دون أن يوفر لهم حياة كريمة، فالملاشية لا تعاني فقط من ندرة المياه الصالحة للشرب، فأهلها محرومون من شبكات الكهرباء والطرق المعبدة، والشوارع المخططة، والمستشفيات المجهزة ووسائل النقل العام، ضف إلى ذلك المدارس.
الأخطر من ذلك مجتمعًا أن الملاشية تفتقد إلى شبكات الصرف الصحي، ويعتمد الأهالي في صرف المجاري على الطرق القديمة بواسطة جداول تسمى أجواب أو أجواق، والتي لا تتسع لأنواع كثيرة من النفايات والمجاري فيحدث الطفح المستمر في الطرق ويتفاقم الأمر في فصل الشتاء، لتتحول شوارع الملاشية إلى بحيرات صغيرة تحمل اللون الأخضر الداكن الذي تفوح منه رائحة العفن، ما يفاقم الوضع الصحي ويساعد على انتشار الأوبئة والأمراض.
وهكذا أصبح أهالي الملاشية مواطنون بلا وطن .. لا مياه ولا كهرباء ولا مرافق، حياة تفتقد لأدنى مقومات الحياة، وطرق متعرجة وعرة ومنازل متفرقة بسيطة بأبواب اختفت معالمها، وأطلال حجارة غير الزمن لونها، وأناس أكل عليهم النظام الإيراني وشرب.
هذا هو الحال في عموم الأحواز التي تقع على الطرف الشرقي من الهلال الخصيب، المعروفة تاريخيًا بخضرتها ووفرة المياه العذبة فيها؛ لكن العبث الإيراني بالأنهار الأحوازية ومشروعات الحرس الثوري الإيراني الفاشلة وسددوده التي أقامها دون دراسة جدوى، وتحويل مجراها إلى المناطق الفارسية مثل أصفهان ذات الأغلبية الفارسية؛ لدعم صناعات الصلب والزراعات بها، رغم بنود الدستور الإيراني التي تحظر نقل المياه العذبة من محافظة إلى أخرى سوى لأغراض الشرب.
إلى جانب شركات النفط التي جففت أجزاء من الأراضي الخصبة، ومنعت وصول المياه إليها، بذريعة أن استخراج النفط من الأراضي المجففة أرخص، هذا بالإضافة إلى توجيه الكثير من المياه إلى مقاطعات أخرى، لتحتفظ الأراضي الأحوازية بالمياه غير الصالحة للشرب التي تتبقى من المصانع، ومع ضعف الإمكانات وإهمال شئون البلدية لا يتم معالجتها.
وأدى ذلك كله إلى بروز ظاهرة الجفاف والذي ترك آثاره المدمرة بشدة، حيث دمرت بساتين النخل بسبب ملوحة المياه، واعتراف النظام الإيراني نفسه بخسارة نحو 80 ألف هكتار من الأراضي الزارعية التي تنتج القمح، ولجأ المزارعون إلى بيع المواشي خوفًا عليها من الموت والهجرة إلى المدن.
من جانبها، تجدد المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الإنسان، إدانتها لمخططات النظام الإيراني التي يقودها ضد الشعب الأحوازي الواقع بين رحى التهميش ومطرقة التعطيش.
وتؤكد المنظمة على أن ملف المياه من أكثر الملفات التي يتلاعب بها النظام الإيراني، وبدت آثار سياساته المدمرة على كل مناحي الحياة في الأحواز.
وتشير المنظمة إلى أن الحرس الثوري أقام على مجرى نهر كارون وحده 90 سدًا، وهو أحد أكبر الأنهار في الأحواز، حيث يصل طوله إلى 950 كيلومترا، وقد أدى ذلك عن قصد إلى تناقص منسوب المياه بشكل كبير، وتسبب في ارتفاع نسبة الملوحة في التربة، وتلف الكثير من المحاصيل الزراعية، وقلة جودتها.
وتوضح المنظمة أن المجتمعات الريفية الأحوازية تواجه مخططات عدة أولها سياسة التهجير عبر المشاريع التخريبية التي ينفذها الحرس الثوري على مدار عقود أدت إلى تقلص المساحات الخضراء، ما أدى إلى بروز ظاهرة التصحر ودفع العوائل الأحوازية إلى الهجرة.
وتضيف المنظمة: “وما أن هاجر هؤلاء باحثين عن لقمة العيش في المدن، وقعوا في مخططات التفقير والتهميش والتمميز العنصري، فلا وظائف وإن وجدت برواتب هزيلة لا تقيم صلب بيت ولا تسد الرمق، ليجد هؤلاء أنفسهم عالقين في حياة قاحلة”.
وعن ثالث تلك المخططات، تشير المنظمة إلى تلاعب النظام الإيراني بالملف الصحي والبيئي، حيث وصلت مستويات التلوث وانتشرت معها أمراض الجهاز التنفسي والسرطان وارتفاع معدل الأمراض الجلدية والقلب وأمراض الكلى نتيجة إهمال البلدية والأجهزة التنفيذية التابعة للنظام الإيراني، بالتزامن مع عجز المستشفيات عن مواجهة هذه الأمراض لأنها غير مجهزة ولا تحوي عددًا كافيًا من الأطباء والإمكانيات الصحية.
وتشدد على أن حق الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي والمرافق، وحق العلاج والعمل ما يضمن حياة كريمة، منصوص عليها في معاهدات حقوق الإنسان القائمة، وعلى المجتمع الدولي التحرك حتى تتحمل إيران المسؤولية الرئيسية في ضمان تحقيق هذه الحقوق وسائر حقوق الإنسان الأساسية.
كما تدعو المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات فورية من شأنها الضغط على السلطات الإيرانية لوقف سياسات التهميش والتعطيش والتمميز بكل صورها وأشكالها بحق الشعب الأحوازي.

المنظمة الأحوازية للدفاع عن حقوق الإنسان

زر الذهاب إلى الأعلى